ادعمنا

الزبونية السياسية - Political Clientelism

يمثل الفساد تحديا من التحديات الخطيرة التي تواجه الدول والأنظمة السياسية المعاصرة، وهو إساءة استخدام مناصب المسؤولية العامة لتحقيق مكاسب خاصة، ويشمل انتهاكات كالرشوة، الابتزاز، الاختلاس إضافة إلى الزبونية.

وتعتبر هذه الأخيرة كشكل من أشكال الفساد، نظاما قائما على ممارسات عديدة ومتنوعة تغذيها شبكة معقدة من العلاقات الداخلية (القرابات، العشائر،القبيلة.....) ،وحتى الدولية (ما يسمى بمحور العلاقات الاجتماعية على المستوى الدولي بزبونياته الجديدة التي تربط بين مصالح الدول ومصالح النخب المحلية)، الأمر الذي جعلها سببا من الأسباب الرئيسية في فقدان الثقة في الطبقة السياسية واعتبارها أحد أهم التحديات والمعوقات التي تواجه محاولات إرساء أسس الحكم الرشيد .

وعليه تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على هذه الظاهرة والتعرف عليها وفهمها أكثر.

 

أ-مفهوم الزبونية السياسية:

1-التعريف اللغوي: 

تشتق كلمة الزبونية من الكلمة الإنجليزية Clientelism، وهو مفهوم متخصص مترجم عن الكلمة الإنجليزية client التي تعني التابع، وتشير إلى أن شخصا يعيش تحت حماية آخر.

أما في اللغة العربية فإن كلمة الزبونية أو الزبائنية مشتقة لغويا من كلمة "الزبن" التي تعني حسب لسان العرب لابن منظور: الدفع والصرف، وبيع الثمر على شجره، أو بيع المجازفة، فيقال: أخذت زِبني من الطعام أي حاجتي. فهي إذن عملية الصرف والدفع والمجازفة لأخذ الحاجة، وهي معاني لغوية قريبة من المعاني الاصطلاحية. ولها مرادفات عديدة في المجتمعات العربية مثل: المحسوبية، الوَلائية، الانخراطية، الاستزلام، التعزيب، القْبِيضْ......

2- التعريف الاصطلاحي:

يشير مصطلح الزبونية إلى سلسلة معقدة من الروابط بين الرعاة السياسيين أو الرؤساء وعملائهم أو أتباعهم، وقد اختلف العلماء في وضع تعريف واحد للزبونية وذلك بسبب النطاق الواسع والمتنوع للتبادلات السياسية التي يمكن للمصطلح أن يستوعبها.

فهناك من يعرّفها مرُكِّزا على كونها أسلوبا للتعبئة الانتخابية، كتعريف سوزان ستوكس - Susan C .Stokes التي ترى: أن الزبونية عرض سلع مادية مقابل دعم انتخابي،حيث يكون معيار التوزيع الذي يستخدمه المستفيد (patron) هو هل ستدعمني؟. فشراء الأصوات - يطلق عليه غالبا الزبونية الانتخابية أو الزبونية الحزبية -، وهو السيناريو المعتاد الذي ينوي فيه المرشّح شراء الأصوات ويكون عادةً من خلال وسطاء.

وهناك من المتخصصين من يرى أن الزبونية تشمل تخصيص الجمهور الموارد كالوظائف أو العقود، مقابل الدعم السياسي وهو يختلف عن شراء الأصوات من نواحٍ عديدة، أهمها امتداد الصفقة لفترة زمنية أطول ولا يقتصر على فترة الحملة الانتخابية. 

وهناك من المتخصصين من يعرّفها على أنها تحالف عمودي ثنائي بين شخصين غير متكافئين في الوضع أو القوة أو الموارد.

ويصف جيمس سكوت - James Scott علاقات الزبونية بأنها صداقة منفعية بغرض الاستفادة Instrumental Friendship  يستخدم فيها الطرف الأول (patron) وضعه الاجتماعي والاقتصادي الأعلى إضافة إلى نفوذه وموارده لتوفير الحماية أو المزايا للطرف الثاني (client) وهو شخص أقل مكانة مقارنة بالطرف الأول.

هذه العلاقة قد تكون طوعية وقد تأخذ شكل تهديدات بدلاً من الإغراءات المادية وهو ما أشارت إليه سوزان ستوكس- Susan C .Stokes، وعبّر عنه كيتشليت - Kitshlet بقوله: "الزبونية تنطوي على المعاملة بالمثل والطوعية ولكن أيضا بالاستغلال والسيطرة" .

خلاصة ما قيل سابقاً فإن الزبونية بشكل عام مجموع المعاملات التي تحصل بين السياسيين والمواطنين حيث يتم تقديم خدمات مادية مقابل الدعم السياسي، وهي علاقة تجمع بين الطرفين الراعي أو المستفيد (patron) الذي يقدم مزايا للعميل أو التابع (client) في مقابل الدعم بشتى أنواعه .

وتقوم الزبونية على إنشاء سلسلة متشابكة من الروابط والعلاقات ،قام أوليفييه روا - Olivier Roy بحصرها معرفياً في أنماط ثلاثة:

- الشبكة المعاونة التي تتشكل حول رجل يتمتع بسلطة ما والتي تزول بزوال هذه السلطة.

- العصبية التقليدية المتمثلة في العشيرة والقبيلة والقرية والأسرة الموسعة ... .

- العصبيات الحديثة الاجتماعية والسياسية (النقابات، الأحزاب) .

وقد استنتج قوة العلاقة بين النمطين الأخيرين في المجتمع السياسي في العديد من البلدان النامية.

 

ب -الزبونية: النشأة والمقاربات النظرية:

تعتبر الزبونية ظاهرة قديمة كانت تعني في السابق "القدرة أو الرغبة في تكوين الصداقات" ،ثم تحول معناها بعد استخدامها لأول مرة في السياسة عام 1952 وذلك عندما تم اتهام إدارة ترومان بتعيين أصدقاء في مناصب حكومية بغض النظر عن مؤهلاتهم ،وتم وصف هذه الممارسة بأنها زبونية أو محسوبية.

وترجع أصول مفهوم الزبونية السياسية إلى الفكر السياسي النظري الفرنسي المقارن، حيث لوحظ انتشار الزبونية في فرنسا خلال الفترة 1871-1940 .

أما في العصر الحديث فقد اهتمت الجامعات البريطانية بالزبونية السياسية وأعدت دراسات حولها وقد برز منها كتّاب مثل: (كوربن- Corbin، دافيس- Davis،كامبل Campbell-) ، وهو الاهتمام الذي امتد لاحقا إلى الجامعات الأمريكية علماء مثل:(فوستر- Foster،كيني- M.Kenny، فريدريك- Friedrich)، وفي نهاية السبعينيات التحق بهذا الركب باحثون إيطاليون مثل: غرامشي- Gramsci وباحثون آخرون.

كانت معظم هذه الدراسات حتى السبعينيات ذات طابع انثروبولوجي محض، وتميزت بتحليلات علائقية قيمة من شأنها المساهمة في فهم ظاهرة الزبونية خاصة في المجتمعات المتخلفة ، وفيما يتعلق بالدراسات المهتمة بعلاقة الزبونية بالنظام السياسي، فهي حديثة نسبيا وتحليلاتها سطحية تقتصر على التقييم الأخلاقي لمظاهر الزبونية في المجتمعات النامية، دون أن تتعمق في التحليل السوسيولوجي الذي يوسع من دائرة أبعاد هذه الظاهرة وممارستها التي تخرجها من حيزها الأنتروبولوجي ومجالها الاجتماعي المحلي إلى العالمي،ومع ذلك فقد أصبح لبعض مصطلحاتها بعداً عالميا وعلى رأسها (الرابطة الأسرية، الرابطة الإقليمية أو المناطقية).

وجهت عدة انتقادات لهذه الدراسات من الناحية السوسيولوجية على رأسها ربط الزبونية بآثار التخلف، مثال ذلك ما ذكرته دراسة  بعنوان" Safina-2015 " :أن استمرار تقدم المحسوبية، يؤدي إلى «هجرة العقول» من روسيا، مما يعرض التنمية الاجتماعية والاقتصادية للخطر، كما ذهبت بعض الدراسات إلى نفي وجود الزبونية ،خاصة على المستوى السياسي في الدول المتخلفة ، وقد قوبل هذا الانتقاد بالتأكيد على أن الزبونية ظاهرة سياسية واجتماعية موجودة، إضافة إلى أن ممارستها عالمية ولا تقتصر على مجتمعات بعينها، كما لا يمكن حصرها في التفسير الأحادي المرتبط بجانب واحد وهو محدودية الموارد (انتشار الفقر وقلة فرص الترقية الاجتماعية)، بل يمكن أن تنتج أساسا عن ضعف الوازع الديني أو الأخلاقي، أو عدم شفافية طرق التسيير والتنظيم، وهو ما يدفع بالفاعلين الاجتماعيين نحو اللجوء إلى آليات من شأنها خرق الأنظمة غير الشفافة والأحادية التوجه، فتسود العلاقات الزبونية.

إضافة إلى الدراسات التي ظهرت في السبعينيات ظهرت دراسات أخرى في الثمانينيات مثل: دراسات جوديث تشب- Judith Chubb عن الزبائنية في جنوب إيطاليا.

 

ج -آثار ونتائج الزبونية:

تعد الزبونية كشكل من أشكال الفساد مشكلة حقيقية ومرضاً ينخر في جسد الديموقراطيات المعاصرة، حيث اعتبرها "مالك بن نبي" ظاهرة مَرضية في المجتمعات، اختلفت وجهات النظر حول آثارها فاليمين يراها أمراً طبيعيا يجب توظيفه لحسن تسيير المجتمع ، واليسار يحاربها عالميا ويتعايش معها محليا.

وعلى العموم فإن آثارها  مدمِّرة للإقتصاد ومحبطة لتطلعات المساواة في الفرص ومحددات المنافسة، ومعرقلة لطموح التنمية المستدامة.

ختاماً، يمكن القول أن الزبونية كظاهرة قديمة جديدة واسعة الانتشار وطنياً ودولياً تنتج عنها عواقب تستلزم مكافحتها، ما جعل المتخصصين يقترحون استراتيجيات للإصلاح منها: اعتماد نظام اللامركزية في الإدارة،تفعيل دور المجتمع المدني في التوعية ومكافحة الفساد، اعتماد سياسة الاحتواء، إصلاح الخدمة المدنية، بالإضافة إلى إستراتيجيات أخرى.

 

 

 

المصادر والمراجع:

خلود عبد الكريم خلف، الزبونية ودورها في النظم السياسية المعاصرة : دراسة حالة العراق، المجلة السياسية الدولية ،1/9/2021 .

فضيل دليو، الزبونية السياسية والاجتماعية في عصر الديموقراطية، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية ، متوفرة على الرابط ،5/9/2021.

Derick W. Brinkerhoff , Arthur A. Goldsmith, Clientelism, Patrimonialism and Democratic Governance: An Overview and Framework for Assessment and Programming.

Jonathan Hopkin, Conceptualizing Political Clientelism: Political Exchange and Democratic Theory, 23/8/2021.

Jorge Gallego , Leonard Wantchekon , Clientelism: Concepts, Agents, and Solutions ,25/8/2021.

Susan C. Stokes , Political Clientelism ,23/8/2021.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia